الخميس، 15 فبراير 2018

تقرير عن مناقشة أطروحة دكتوراه حضرها الباحث عادل بوحوت



تقرير عن مناقشة أطروحة دكتوراه حضرها الباحث عادل بوحوت

احتضنت قاعة المحاضرات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس-سايس يومه الإثنين 12 فبراير 2018 ابتداء من الساعة التاسعة صباحا مناقشة لأطروحة دكتوراه، أعدّها الباحث عادل بوحوت حول موضوع: "آليات قراءة التُّراث في الفكر النقدي المغربي المعاصر: دراسة ميتا-نقدية لأعمال محمد مفتاح وسعيد يقطين وعبد الفتاح كيليطو"، وقد ضمت لجنة المناقشة ثلة من النقاد والباحثين المقتدرين في الجامعة المغربية، وهم:
§        الدكتور محمد الـﮔنوني (رئيسا). [كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس- سايس]
§        الدكتور محمد مساعدي (مشرفا ومقرّرا). [الكلية المتعدّدة التخصصات بتازة]
§        الدكتور محمد القاسمي (عضوا). [كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس- سايس]
§        الدكتور عبد الواحد المرابط (عضوا). [كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة القاضي عياض- مراكش]
§        الدكتور إبراهيم العَمْري (عضوا). [الكلية المتعدّدة التخصصات بتازة]
وبعد المداولة قرّرت اللجنة العلمية منح الباحث درجة الدكتوراه بميزة: مشرف جدا مع تنويه خاص وتوصية بطبع الأطروحة.
وفيما يلي نص التقرير الذي قدّمه الباحث بين يدي اللجنة العلمية:

? إعداد الطالب الباحث: عادل بوحوت
الحمد لله الذي علَّمَ بالقلم، علَّم الإنسانَ ما لم يعلَم، والصَّلاة والسَّلام على النبيِّ الأكرَم، نبيِّنا ومعلِّمنا محمد - صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
وبعد:
ينطلق هذا البحث، الذي اتخذ له عنوان: "آليات قراءة التُّراث في الفكر النقدي المغربي المعاصر: دراسة ميتا-نقدية لأعمال مفتاح ويقطين وكيليطو" من إشكالية أصبحت تفرض نفسها على كل بحث جاد، يطمح إلى أن يكون قيمة مضافة في سياق الإسهام النقدي العربي. إنّها إشكالية "القراءة"، بما هي إرادة للكشف عن المخبوء، ونزوع نحو خلق وضعيات تواصل وتفاعل واندماج، تلقي بصاحبها في خضم عوالم النصوص المدروسة. وهي إرادة تزداد إلحاحا وتشبّثا بمطالبها، إذا ما احتضنت هذه النصوص في طياتها تاريخا بأكمله، واستوعبت ضمائر أجيال غاب عنا الكثير مما راودها من أفكار وأحلام وطموحات، وحدّد معالم رؤيتها للوجود والعالم من حولها. تصبح القراءة في هذا المستوى (أي في ارتباطها بالتّراث) حتمية تاريخية وحضارية، تجد الأجيال الجديدة نفسها مُرغمةً على الخضوع لها، من أجل مدّ جسور التواصل مع السلف، ونفض الغبار عن كثير من ملامحهم التي غيَّبها الزمن.
ولا شك أن القراءات المعاصرة للتُّراث العربي، استطاعت في الكثير من الأحيان أن تكشف عن أبعاد دلالية وثقافية، ظلت متحجّبة عن دارسين ربّما قصُرت بهم آلتهُم عن كشف النقاب عنها في فترات سابقة. ومعلوم أنّ جدة القراءات المعاصرة للتّراث، تجد لها أصولا ثابتة في الثورة العلمية التي عرف القرن الماضي إحدى أهم حلقاتها، والتي أدَّت إلى نشأة جملة مناهج قدّمت نفسها باعتبارها أدوات إجرائية، تملك من النجاعة ما يُمَكِّنُها من الإسهام في تحقيق اكتشافات باهِرة في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية.. وفي مجال النقد الأدبي بما هو اختصاص يسعى إلى إيجاد مقعد له في قاطرة العلم.
تعاقبت البحوث والدراسات إذن على قراءة التُّراث العربي، وتعدَّدَت مناهجُ وزوايا النظر إليه، بحسب خلفيات كل باحث، وكذا بحسب المقاصد والغايات التي كان يرسُمها هذا الباحث أو ذاك، ممَّا أسهم في فتح نصوص التُّراث على آفاق جديدة، ومساءلة قضاياه في ضوء إشكالات راهنة. بيد أن الحلقة التي تكاد تكون مفقودة في هذه السِّلسلة المتصلة، هي حلقة المساءلة النقدية لهذه النقود -أو القراءات- التي اتّخذت من التُّراث موضوعا لها. مساءلة تعلن عن نفسها باعتبارها قراءة للقراءة، تسعى للكشف عن آليات اشتغال قراءة التُّراث ومدى اتِّصافها بالنسقية من جهة، ثم مدى امتلاكها للنجاعة الإجرائية خارج سياقاتها المخصوصة من جهة ثانية.
تقدّم المعطيات السالفة الذكر لمحة موجزة عن عامل موضوعي رئيس كان دافعا لخوض غمار البحث في هذا الموضوع. يتعلق الأمر بنقص ملحوظ في مجال نقد الممارسة النقدية التي اتّخذت التراثَ موضوعا لها. وينضاف إليه عامل موضوعي آخر -لا يقلُّ أهمية- هو المُتَّصلُ بنوعية النماذج المختارة للدِّراسة والمساءلة في هذا البحث، وهي نماذج مغربية لثلاثةٍ من أبرز رواد النقد العربي المعاصر هم: محمد مفتاح وسعيد يقطين وعبد الفتاح كيليطو؛ فهذا الاختيار مقصودٌ، وغايتُه الأسمى تقديم مقاربة شاملة تسعى، من جهة، إلى تثمين إسهام الفكر النقدي المغربي المعاصر في فك شفرات التُّراث والكشف عن آليات اشتغاله، وتطمح من جهة أخرى إلى ترسيخ منهجية مضبوطة في مجال نقد النقد.
أمّا عن العوامل الذاتية المحدِّدة لهذا الاختيار، فألخصها في عاملين هما:
1-         إعجابي بالمنجز الثقافي التراثي العربي، الذي ما فتئ يغري الباحثين والقراء- على امتداد قرون من الزمن- بمراودته ومعاودة الطرق على أبوابه، لعلهم يظفرون بما يزيل عن أعينهم غشاوة سوء فهم السلف، وينير لهم السبل لفهم الحاضر واستشراف المستقبل.
2-     اهتمامي في بحوث سابقة بقضايا وإشكالات القراءة والتأويل، وذلك من خلال التعريف بـ -أو البحث في أصول- نماذج نظرية رائدة في هذا المجال (إيزر، ياوس). 
والأطروحة المركزية التي رام هذا البحث تأكيدها هي أنّ "الاشتغال النقدي المهتم بالتُّراث في الفكر النقدي المغربي المعاصر يؤسس لممارسة هرمينوطيقية (تأويلية) متعددة الملامح". ولتحقيق هذا المسعى الأكبر عملنا على صياغة الفرضيات الآتية:
-       يَمْتَحُ الفكر النقدي المغربي المعاصر في قراءته للتُّراث العربي من روافد نظرية ومنهجية متعدّدة المشارب. ويعمل على إخضاعها لعمليات التكييف والتطعيم لتتناسب مع الظواهر المدروسة ومع المقاصد العامة التي تتحكم في رؤية الباحث ومشروعه الفكري.
-       لا يخلو مشروع من المشاريع النقدية المدروسة من استحضار البعد العلمي (المتمثّل في الاستثمار الواعي للمنهج وللخلفيات النظرية والمعرفية المتحكمة في الممارسة النقدية وما يتصل بها من أجرأة للمفاهيم والآليات التحليلية...). إلاّ أنّ قوته تختلف من مشروع إلى آخر.
-       يتعامل الفكر النقدي المغربي المعاصر مع التُّراث انطلاقا ملاءَمة علمية تستبعد الأحكام الجاهزة والمسبقة، ورؤية نسقية ترفض تجزيئه والتعامل معه بمنطق الانتقائية. ما يجعله يفضل التعامل المباشر مع النصوص. 
-       شكّل التفات الناقد المغربي (النماذج المدروسة) إلى التُّراث، لحظة فارقة في إطار مشروع نقدي وفكري ممتد ومنفتح، سعى من خلالها الناقد إلى معاودة مساءلة التُّراث انطلاقا من أسئلة الحاضر وإشكالات الفكر النقدي العربي المعاصر.. ما جعل الممارسة الفكرية تتخذ طابعا هرمينوطيقيا.
أما محاور البحث فقد تدرّجت على الشكل الآتي:
-        القسم الأوّل: الهرمينوطيقا وآليات قراءة التراث
تناول هذا القسم إشكالية قراءة التراث في الفكر الغربي عبر سيرورة امتدّت من بدايات تبلورها في الفلسفة اليونانية مرورا باستعراض إسهامات الدراسات اللاّهوتية في الثقافتين اليهودية والمسيحية، انتقالا لأبرز الإبدالات التي عرفها تاريخ الهرمينوطيقا مع شلايرماخر ودلتاي وغادامير وريكور.
وانتهى هذا القسم بعد رصده لأبرز مسارات الهرمينوطيقا (وهي: المسار الإيديولوجي، المسار الإبستيمولوجي، المسار الأنطولوجي)، إلى الإقرار بأنّ مصطلح الهرمينوطيقا يتّسع ليشمل الجهود المبذولة في سياق الفكر النقدي العربي المعاصر المشتغل بالتراث. ما يقتضي استقلال هذا الفكر بمقولاته وآلياته الهرمينوطيقية الخاصة.
-        القسم الثاني: آليات قراءة التراث في الفكر النقدي المغربي المعاصر
v    المدخل المنهجي:
خصصنا هذا المدخل لتفصيل القول في ملامح التصوّر النظري التي يؤطر المشتغل في مجال نقد النقد، وكذا لاستعراض عناصر ومستويات التحليل أي الخطوات المنهجية التي رسمت الخطوط العريضة للتحرك داخل الأعمال النقدية المدروسة في القسم التطبيقي.   
وعموما فقد عمدنا إلى تناول المشاريع النقدية المدروسة انطلاقا من وعي بطبيعة الموقع الذي يليق بالدراسة الميتا-نقدية والمهام الموكولة لناقد النقد، وكذا انطلاقا من خطوات ومستويات محدّدة تضمن لبحثنا إمكان الكشف عن الطابع العلمي في المشاريع المدروسة. وهذه المستويات التحليلية هي: 1-التأطير؛ 2-تحليل مستويات الإجراء المركزي (1- المقاصد؛ 2- الموضوعات والمتون؛ 3- مرتكزات القراءة؛ 4- منطلقات الناقد؛ 5- الإجراءات النقدية؛ 6- النتائج والآفاق) 3-تركيب وتعقيب).
وبالنظر إلى خصوصية البحث الحالي وارتهانه بالإكراه الزمني، فإنّنا اكتفينا بالتناول الجزئي للمشاريع النقدية المدروسة، بحيث عملنا على تأطير الإجراء النقدي المركزي وتحليل مستوياته، باعتباره حجر الأساس بالنسبة للمشروع ككل، وحرصنا بين الفينة والأخرى على الإحالة إلى الأعمال التي شكلت امتدادا له، نظرا لما تقدمه من إمكانات التتميم والترميم. وجاءت مرحلة التركيب والتعقيب منفتحة على ما يمكن اعتباره نصوصا موازية، ونقصد بذلك الحوارات والقراءات التي عملت على إضاءة المشاريع المدروسة، وأجابت عن الكثير من الأسئلة المُعلّقة.         
v    الفصل الأول: آليات قراءة التراث في المشروع النقدي لمحمد مفتاح.
خُصِّصَ هذا الفصل لدراسة المشروع النقدي لمحمد مفتاح من خلال كتابه "في سيمياء الشعر القديم دراسة نظرية وتطبيقية"؛ وهو كتاب يحلل فيه الناقد نونية أبي البقاء الرُّندي انطلاقا من صياغة نظرية نحتها من تنظيرات النقاد الأقدمين (وخاصة حازم القرطاجني) ومما راكمته الشعرية السيميائية في الغرب.. وبعد تأطيرنا للكتاب وتحليلنا لمستوياته حرصنا على جعل التركيب منفتحا على المشروع العام للناقد وخاصة الأعمال المندرجة في سياق قراءة التراث، وفي مقدّمتها كتاب "تحليل الخطاب الشعري" الذي اعتبرناه الامتداد الأبرز للإجراء المركزي.
v    الفصل الثاني: آليات قراءة التراث في المشروع النقدي لسعيد يقطين.
خُصِّصَ هذا الفصل لدراسة المشروع النقدي لسعيد يقطين في شقه المخصص لقراءة التراث العربي، وهو ما تجسّد في كتابين هامين اعتبرناهما وجهين لعملة واحدة هما "الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي" الذي اعتبره سعيد يقطين مقدّمة نظرية. وكتاب "قال الراوي" الذي شكّل الوجه العملي للمشروع، هذا الكتاب الذي خصصه الناقد لدراسة البنيات الحكائية في السيرة الشعبية. وقد جعلنا الكتاب الأوّل موضوعا للفحص والمساءلة في المستويات الأولى للتحليل (المقاصد- الموضوعات والمتون- مرتكزات القراءة- منطلقات الناقد)، بينما خصصنا محور الإجراءات النقدية لكتاب قال الراوي.. وجاء التركيب منفتحا على ما تضيفه امتدادات الإجراء المركزي (وبالأخص كتاب: السرد العربي: مفاهيم وتجليات)، وكذا النصوص الموازية (الحوارات والقراءات) لرسم صورة شاملة عن الرؤية الهرمينوطيقية التي تحكّمت في اشتغال يقطين بالتراث وبالثقافة العربية.
v    الفصل الثالث: آليات قراءة التراث في المشروع النقدي لعبد الفتاح كيليطو.
خُصِّصَ هذا الفصل لدراسة مشروع عبد الفتاح كيليطو من خلال كتابه "الأدب والغرابة دراسات بنيوية في الأدب العربي" الذي نظرنا إليه بوصفه الإجراء النقدي المركزي لمشروع نقدي اتّخذ من الثقافة العربية الكلاسيكية إطارا موضوعيا عاما لاشتغاله. وهو كتاب اعتبره صاحبه فرصة لإعادة النظر في كثير من المسلمات التي ملأت دنيا الأدب النقد في العالم العربي، وخاصة ما يتعلق بالمنهج المعتمد في قراءة الأدب العربي الكلاسيكي. وبعد تأطيرنا للكتاب وتحليلنا لمستوياته حرصنا على جعل التركيب منفتحا على المشروع العام للناقد.
ولئن كانت مرحلة التركيب والتعقيب قد بسطت بتفصيل النتائج والخلاصات الخاصة بكل مشروع على حدة، وهو ما يضيق المقام عن عرضه هنا، فإنّنا نكتفي فيما يلي بتسجيل بعض النتائج العامة التي رأينا أنّها تجيب بصورة أو بأخرى عن أطروحة البحث وفرضياته؛  
ü    إنّ المنجز النقدي المغربي المعاصر ليس مجرّد نقد أدبي يدرس الأدب من أجل مقاصد قريبة، وإنّما هو انخراط في الدراسة الثقافية التي تنظر إلى التُّراث باعتباره نسقا تتكامل فيه المعارف وتتداخل. وهذا ما جعلنا نختار لتوصيفه مصطلح الفكر النّقدي عوضا عن مصطلح النقد الأدبي.
ü    يتميّز الفكر النقدي المغربي المعاصر (من خلال المشاريع المدروسة) بالسعي نحو الانفلات من القيود الصارمة للمنهج الوحيد والأوحد؛ فالمتتبع لهذا المنجز يلمس نوعا من الميل إلى التأسيس لخصوصية إجرائية في عمل الناقد المغربي. كلّ ذلك في إطار شمولي تكاملي، يستدعي خلاله الناقد ترسانة من المناهج والمفاهيم (بل ويضطر إلى التركيب والانتخاب والإقصاء في أحايين كثيرة)، لخدمة رؤية شمولية تنظر إلى التُّراث باعتباره كلاّ..
ü    شكلت الأعمال التي خصصها كلّ باحث من الباحثين الثلاثة لقراءة التُّراث، حلقة هامة من حلقات مشروعه النّقدي العام، تركت أثرها في ممارسته العلمية وأفرزت تراكما تأويليا ومنهجيا يمثّل ملامح توجّه فكري معاصر، تجاوز أصحابه منطق الانبهار بالتُّراث وتقديسه، وكذا التوظيف الإيديولوجي له، وما كان يترتب عن ذلك من عمليات التجزيئ والانتقاء والإقصاء.. إلى الوعي بهذا التُّراث والشروع في قراءته وتأويله. هذا الوعي الذي تجلى واضحا من خلال الرؤية النسقية التي حكمت تعامل كل من مفتاح ويقطين وكيليطو مع نصوص التراث وقضاياه. 
ü      يمكن القول -استنادا إلى الثلاثية الهرمينوطيقية التي انطلقنا- أنّ الفكر النقدي المغربي المعاصر يفضّل لحظة التطبيق، لأنّه لم يقرأ التراث في ذاته ولأجل ذاته، وإنّما قرأه لأجل تغيير زاوية النظر إلى نصوص وظواهر وقضايا التراث في أفق بناء رؤية خاصة لحاضر الذات ومستقبلها.
ü      إنّ أهمّ ما يميّز المشاريع النقدية المدروسة هو تعاملها المباشر مع النصوص التي مكّنتها من مدّ جسور الحوار مع التراث ومعالجة إشكالاته وقضاياه، انطلاقا من آليات منهجية ومفاهيمية محدّدة ومعلنة أثبتت قدرتها على فك شفراتها من جهة. وانطلاقا من رؤية هرمينوطيقية (مؤسَّسة على رؤية للعالم)، تستحضر الموقع التاريخي والحضاري للذات المؤوّلة، وتنأى بفعل القراءة عن أن يكون طقسا من طقوس التقديس والتبجيل أو مطية لخدمة غايات إيديولوجية ضيقة.
ü      تميّزت الممارسة النقدية في المنجز النقدي المغربي المعاصر بنوع من الانفتاح على إمكانات التطوير.. هذا الانفتاح الذي يتّخذ أحيانا شكل تجاوز ذاتي. وهي خصيصة تحضر بشكل لافت في المشاريع النقدية المدروسة؛ ذلك أنّ أصحاب هذه المشاريع لا يجدون حرجا -في الكثير من الأحيان- في التعبير عن نسبية النتائج التي انتهى إليها عمل من الأعمال المنتسبة إليهم، اعتبارا لكونها جزءا من مشروع منفتح يطمح إلى الاكتمال.
ü      يستقل كل مشروع من المشاريع النقدية المدروسة برؤيته الهرمينوطيقية الخاصة التي يمكن اعتبارها نموذجا لاتّجاه هرمينوطيقي قائم بذاته. [فمع محمد مفتاح نجد أنفسنا أمام ما يمكن وسمه بـ "الهرمينوطيقا التشييدية" التي تؤمن بأنّ المعنى يُشَيَّدُ انطلاقا من ضوابط ومعايير محدّدة. إنّها هرمينوطيقا كونية تسعى إلى جعل التأويل عملية إبستيمولوجية وأنطولوجية في الآن ذاته، بسبب وجود مشتركات كونية توحّد البشر جميعا وترفض النظرة الأحادية]؛ [ومع سعيد يقطين نجد أنفسنا أمام ملامح "هرمينوطيقا نصية" تعمل على استنطاق النص لاستخراج مكنوناته الدلالية. والأمر هنا لا يحتاج إلى جهد تأويلي كبير، بقدر يتطلب الإنصات إلى النص. وما يقدّمه النص التراثي (السردي) كفيل بإغناء نظرتنا إلى النصوص المعاصرة]؛ [أمّا مشروع عبد الفتاح كيليطو فإنّه يؤسس لـ "هرمينوطيقا تفكيكية" تؤمن بأن المعنى يظهر حين نقوم بتعرية النصوص مما علق بها جرّاء الترسبات المنهجية والمفاهيمية.. ما يجعل الفهم نتاجا لعملية حوارية إبداعية تتم بين النص والقارئ- المؤوّل].
وفي الختام أتوجّه بخالص الشكر والتقدير لأصحاب الفضيلة الأساتذة الأجلاء أعضاء هذه اللجنة العلمية الموقّرة الذين أنفقوا من جهدهم ووقتهم وتفضلوا عليَّ بقراءة هذا العمل على علاته، وأشكر من تحمل منهم عناء السفر لحضور هذه المناقشة؛ فأشكر في المقام الأوّل أستاذي الدكتور محمد مساعدي الذي شرّفني بالإشراف على هذه الأطروحة وأُشْهِد الله أنه لم يبخل عليَّ يوما بتوجيهاته السديدة، ونظراته الفاحصة الثاقبة، فما كان في هذا البحث من صواب فمن الله ثم منه، وما كان من زلل وزيغ فمني وإلي. كما أعرب عن خالص شكري لمختبر اللغة والأدب والتواصل في شخص رئيسه والمساهمين فيه.. هذا المختبر الذي ما فتئ يقدّم للطلبة الباحثين مواد علمية دسمة ومقترحات بحثية قيمة ويتيح لهم من الفرص في تنظيم الندوات والمؤتمرات والمشاركة فيها ما يقيم أوَدهم ويصقل مهاراتهم ويرتقي بهم في مدارج العمل الأكاديمي الرصين ويؤهلهم ليحملوا مشعل البحث العلمي في هذه الكلية العتيدة التي نفخر بالانتساب إليها.. ولا يفوتني أن أسجل بمداد العرفان جميلَ الشكر وعظيمَ الامتنان لكل أساتذتي في كلية الآداب ظهر المهراز الّذين تتلمذت على أيديهم وتعلمت منهم أن العلم والخلق الرفيع صنوان لا يفترقان، والشكر موصول لضيوفي الأعزاء وللحضور الكِرام.. والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله.


الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

مصطلحات القراءة والقارئ والمؤلّف في أعمال عبد الفتاح كيليطو

    
  
- قراءتان مختلفتان للخُرافة ([1]):
*         قراءة واعية: تخترق المعنى الأوّل وتبلغ إلى حيث تتألق شعلة الحكمة.
*         قراءة غير واعية: لا تذهب أبعد من مظاهر القول.
- قراءة الأعمال السردية ([2]):
-          القراءة العادية: (القارئ العادي/ المستلب) تتمّ من اليمين إلى اليسار أي من البداية إلى النهاية.
-          القراءة العالمة: (القارئ العالم) تجعلنا نلمس البناء السردي عن كثب، بل تجعلنا نعيد صياغة الحكاية بعد تفكيك مكوّناتها. هذه القراءة تتم من النهاية إلى البداية، من اليسار إلى اليمين.
-          القراءة العادية تشد بخناق القارئ وتجعله يبتلع الأحداث بدون مضغ ويقفز لكي يصل إلى النهاية التي يتلهف على معرفتها... وعلى العكس من ذلك فإنّ القراءة العالمة تحرّر القارئ من الوهم والمشاركة الوجدانية...
·       القراءة المغرضة: ([3]) (التأويل المغرض) «القراءة التي تصدر عن سوء نيّة، عن نية مُبَيَّتة للإساءة إلى النصّ أو إلى صاحبه».
-          أشكال القراءات المتبعة للمقامات ([4]):
o       القارئ السائح: الذي يقترب من المقامة على أطراف قدميه مخافة أن يوقظها، فيكتفي بتأملها... "نافضا رأسه باستياء".
o       القارئ المتسرع: الذي يقترب منها بقرع الطبول فتستيقظ مذعورة ثم تعود توا إلى نوم أعمق من النوم الأوّل... "نافخا صدره بكبرياء".
-          ثلاث صور للقارئ كما يرسمها كتاب كليلة ودمنة ([5]):
ü  القارئ السخيف: الذي يتوقّف عند السرد، عند الهزل واللهو أي عند الأدوات السردية في حدّ ذاتها. 
ü  القارئ الفطن: الذي يجتاز مرحلة اللهو ليصل إلى الحكمة، ولكنّه يتوقّف عند هذا الشوط. 
ü  القارئ العاقل: (المثالي) الذي يستوعب الحكمة، ويُخضع سلوكه لأوامرها. ينتقل من السرد إلى الحكمة ومن الحكمة إلى العمل.
-          القارئ الضمني والقارئ الفعلي ([6]):
·       القارئ الضّمني: هو القارئ الذي يتخيّله الكاتب عندما يكتب. 
·       القارئ الفعلي: لا يمكن للكاتب أن يعرفه بالضبط ولا أن يتخيّل بدقّة ردود فعله.
-          القارئ المتبحر والقارئ المبتدئ ([7]):
·       القارئ المنقّب- المتبحر: الذي اكتسب نفس معرفة المؤلّف.
·       القارئ المبتدئ: الذي لا يزال يهيم على وجهه في غيوم الأدب.
§       القارئ غير المتمرّس: هو القارئ الذي يتوجّه إليه الشارح بشرحه.
-          القارئ الجيّد لليالي ([8]): ليس هو الذي يرى فيها فقط حكايات عجيبة صالحة للتسلية والتعجّب. إنّ القارئ الجيّد هو الذي يستجيب لشرطين اثنين: عليه أوّلا أن يستعمل العبرة، أي أن يفكّر في مصيره حينما يعلم بما حصل للآخرين... ثانيا القارئ مدعُوٌ ضمنيا إلى كتابة الحكايات أو إعادة نسخها بحروف من ذهب إن أمكن..
-          القارئ المؤوّل اليَقِظ: ..سرعان ما يكتشف المعنى البعيد (المقامات، ص 188-189).
-          القارئ الغِرّ أو الحاقد: (المقامات، ص 209).

-          القارئ الحاذق/ القراء الحاذقون: يدركون المعنى الظاهر الحرفي، والمعنى الرمزي الباطني للكتاب (لسان آدم، ص 116).
-          القارئ الساذج/ القراء الساذجون: يقفون عند المعنى الأوّل (الحرفي)، فيضِلُّون (لسان آدم، ص 116).

-          القراء السطحيون؛ القراء الفطنون؛ القراء الأذكياء. (لسان آدم، ص 117).

Ø     المؤلّف الفعلي (مؤلّف مزيِّف) ([9]): يُنْشِئُ الكلام ويَنسِبه إلى غيره (منتحل). إنّه يظهر كامتداد زائد، كائن طفيلي.
Ø     المؤلّف الحق ([10]) (مؤلّف زائف): هو وحده الذي يستطيع أن يدّعي اسم المؤلّف. النموذج الأصلي والمؤسس اليقيني.
v    المؤلّف الجاد والمؤلف الهازل. (المقامات، هامش ص 140).



[1]- المقامات، ص 108.
[2]- الأدب والغرابة، صص 41-42.
[3]- الحكاية والتأويل، هامش ص 21. (أنظر أيضا مصطلح: "القراءة المزدوجة" في: المقامات، ص 186).  
[4]- المقامات، ص 8. أنظر أيضا غلاف كتاب: الغائب، دراسة في مقامة للحريري.
[5]- الحكاية والتأويل، ص 33 وما بعدها.
[6]- الأدب والغرابة، ص 80.
[7]-  المقامات، ص 164.
[8]- العين والإبرة، ص 147. أنظر الإشارة إلى "القارئ السيئ" دون تعريفه في الصفحة 154.     
[9]- الكتابة والتناسخ، ص 77.
[10]- يسميه أيضا "المؤلّف الحجّة".
عربي باي